بعد

بعد "كوب 28".. المجتمع المدني من أهم الأطراف

حق العيش في بيئة صحّية هو من حقوق الإنسان المعترف بها في جميع أنحاء العالم. فيما تُؤثر أزمة التغير المناخي على حقوقٍ أخرى، منها الحق في الحياة والحق في السكن والعمل والغذاء والماء.
انطلقت أعمال مؤتمر الأطراف أو ما يُعرف بـ"كوب 28" هذا العام من إحدى الدول النفطية، وجاءت أعمال المؤتمر وسط دمار يشهده جزء لا يتجزأ من المنطقة العربية. ورغم أن المؤتمر يناقش أزمة التغير المناخي عالمياً، فقد كان العدوان الصهيوني على قطاع غزّة حاضرا على تأثير الأحداث في التغير المناخي. وألقى العدوان على غزّة بظلاله على محادثات المناخ في دبي.
ما يحدث في المنطقة نتيجة الحرب الاسرائيلية على غزّة وممارسة الاحتلال الإسرائيلي سياسة الأرض المحروقة وما ينتج عنها من آثار بيئية خطيرة على الإنسان، يستحيل معها العيش في القطاع ويحتاج لسنوات حتى تمحى آثار الاحتلال منه، وهو جزء لا يتجزأ من المشاكل التي تضاعف من تداعيات التغير المناخي. 
فيما ناقش جدول أعمال المؤتمر جوانب مختلفة تؤثر على فئات متعددة في المجتمع، وكان من مخرجات المؤتمر هذا العام: تفعيل صندوق الخسائر والأضرار وجمع أكثر من 83.9 مليار دولار وتغيرات في آلية وأجندة مؤتمرات الأطراف، إلى جانب عرض أفكار وفعاليات ومبادرات مجتمعية بيئية تحتاج لتمويل.
في المقابل، وعلى هامش اليوم الرابع للمؤتمر، خرج أكثر من مئة ناشط بيئي بمظاهرة داعمة لفلسطين، وطالبوا بوقف العدوان على قطاع غزّة. وتجمع الناشطون بالقرب من الجناح المخصص للكيان الصهيوني في المؤتمر، حاملين أعلاما عليها أحد رموز المقاومة "رمز البطيخ" كإشارة لألوان العلم الفلسطيني والمقاومة.
ما هتف به الناشطون يؤكد استحالة الكفاح العادل ضد التغير المناخي قبل تحقيق العدالة حول العالم، والدعوة إلى انهاء الاستعمار المناخي الذي يعد استعمار الأراضي الفلسطينية جزءاً لا يتجزأ منه. 
وتُشكّل المشاركة الهادفة للمجتمع المدني ومؤسساته والشعوب الأصليّة ضرورة لنجاح أي عمل بما فيه "كوب 28"، فالعمل المناخي يجب أن يحترم الحقوق ويتطلّب مشاركة كاملة وهادفة للصحفيين والناشطين بما فيهم الشباب والمدافعين عن حقوق الإنسان والمجتمع المدني ومؤسساته.
ناهيك عن مشاركة المجتمع المدني وممثلي الشعوب الأصليّة الموجودين على الخطوط الأمامية لأزمة المناخ والسكان الأكثر عرضة لتأثيرات التغيّر المناخي.
وكان للحرب الاسرائيلية على غزّة تأثير عميق أيضاً على الوفد الفلسطيني الذي حرص على إقامة جناحه الأول على الإطلاق في مؤتمر للمناخ، فبعض المشاركين استحال وصوله إلى دبي لحضور المؤتمر. وهذا ما قلّل من فرصة المشاركة بأعمال المؤتمر وتمثيل فلسطين وإجراء المفاوضات وتوقيع الاتفاقيات على هامش المؤتمر.
أما الأردن فإنه من الدول المتضررة في أزمة التغير المناخي، وتعتبر من أهم التحديات التي تواجهه في الوقت الحاضر؛ لما لها من تأثير على الأمن الغذائي، بما فيه مصادر المياه وفرص العمل والوظائف. 
الأمر الذي يدعو إلى النظر في مخرجات قمة المناخ والتوصيات وآخر الاتفاقات التي جرت بين الدول المشاركة التي من شأنها أن تدعم الموقف الأردني دولياً والعمل على المستوى المحلي في مجابهة التغيرات المناخية. وكان من نتائج "كوب 28" أن وقعت وزارة الطاقة والثروة المعدنية الأردنية على 9 اتفاقيات ومذكرات تفاهم في المؤتمر، منها ثلاث مذكرات تتعلق بكفاءة الطاقة وخمس مذكرات في إنتاج الهيدروجين الأخضر واتفاقية لتطوير مشروع طاقة الرياح.
وعلى هامش المؤتمر، كان من المحتمل مناقشة ملفات الأردن المائية وبمقدمتها "الناقل الوطني" من خلال إمكانية التفاوض والتعاون مع دول الجوار العربية لتصدير الطاقة المتجددة من الأردن، مقابل تزويد الأردن بالمياه من تلك الدول، وفق اتفاقيات وصياغات محددة، والتعجيل في تأمين التمويل اللازم لتنفيذ "الناقل الوطني للتحلية"، عبر منح وقروض ميسرة، ورغم أهمية ما هو مقترح في ظل الأزمة المائية التي يعاني منها الأردن إلا أنه لم يوفَّق في ذلك.
ما نحتاج إليه اليوم هو الوفاء بالوعود وتطبيق كل دولة ما تعهدت به، لمواجهة تداعيات وآثار التغير المناخي على مستوى العالم وتأثيرها على المجتمعات وبخاصة على الفئات الأقل حظاً وأكثر هشاشة. وإشراك المجتمع المدني في فهم تأثير التغير المناخي على حياتهم وأعمالهم ووظائفهم، ليكونوا مرجعية يعود إليها أصحاب القرار ليتخذوا ما يناسب جميع الأطراف وليس على حساب فئات أخرى.
محليا، بمقـدور الأردن تخفيـض كلفـة التشـغيل وفاتـورة الطاقـة لقطاعات الميـاه والطاقة والصناعة حال اسـتثمر المـورد الشمسي الضخم، الواقع ضمن الحزام الشمسي الأكثر إشعاعا في العالم، من خلال تطويـر قطاع التكنولوجيا النظيفة والطاقة المتجددة لتوليد الكهرباء.
وكجزء من الحلول المقترحة أيضا للحد من تأثيرات التغير المناخي وخلق فرص عمل مستدامة واستغلال الموارد بصورة مثلى، على الأردن التوجه إلى الاقتصاد الأخضر بأشكاله كافة، للحد من الصدمـات الخارجيـة وعوامـل عـدم استقرار فـرص العمل اللائق، وتعزيز إمكانيات التنوع الحيوي وفـق ظروف معيشية جيّدة، وضمان تحقيـق نمو اقتصادي مســتدام للأفراد والدولة، مع الحفـاظ على الموارد البيئية بالإضافة إلى خلق فرص عمل في مشاريع الاقتصاد الأخضر.
وعلى مستوى المجتمع المدني الأردني، عليه أن يدرك أهميته في مواجهة تداعيات التغير المناخي، فهو واحد من أهم الأطراف لمنع التدهور البيئي وحماية الموارد الطبيعية، ومصدر مهم في عملية تمويل المشاريع الخضراء ومشاركته في عملية صنع القرار يحدث فرقاً. 
ومثلما أن دور المجتمع المدني في المشاريع الخضراء مهم، فإنّ على مؤسسات المجتمع المدني كذلك تنفيذ مشاريع وبرامج توعوية لضمان استدامة المشاريع الخضراء، تساعد في إتاحة المعلومات البيئية للمجتمع، كما بمقدور تلك المؤسسات أن تدعم الحكومة في تحديد المخاطر والتكيف مع الآثار الناجمة عن التغيرات المناخية، ومواجهة الكوارث المتعلقة بالمناخ بما يتضمنه من تخطيط واتخاذ القرار والاستعداد والتخفيف ومراحل الاستجابة.
إلى جانب ذلك، التواصل والتفاعل مع مؤسسات المجتمع الأخرى داخل الأردن والمنظمات الدولية لاكتساب وتعلم ومشاركة الأفكار والخبرات. وهذه الخطوات وغيرها تتطلب تنظيم جهود المجتمع المدني ومؤسساته وحوكمتها، وزيادة التمويلات الموجهة إليه، من أجل التوسع في الأنشطة التي تقوي آليات التكيف والتخفيف من حدة الآثار البيئية.

اشترك في نشرتنا الاخبارية

وكن على اطلاع على آخر المستجدات في الحياة المدنية في الأردن