لماذا نحارب العنف الاقتصادي ضد المرأة؟

لماذا نحارب العنف الاقتصادي ضد المرأة؟

أحمد عوض
انطلقت قبل أيام الحملة العالمية لمحاربة العنف ضد المرأة التي تستمر 16 يوما، بدءا من اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة الذي يصادف 25 تشرين الثاني وتنتهي في العاشر من كانون الأول، اليوم العالمي لحقوق الانسان.

أشكال العنف متعددة، والحرمان من الموارد والفرص والحقوق الاقتصادية الأساسية هو واحد من أشكال العنف المنتشرة على نطاق واسع في مختلف أنحاء العالم وعلى وجه الخصوص في منطقتنا.

ونحن في الأردن لسنا بعيدين عما يجري في العالم، لا بل إن أشكال الحرمان من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية المختلفة منتشرة على نطاق واسع، وهو الذي يمكن تصنيفه باعتباره عنفا اقتصاديا شديدا، حيث تنخفض مستويات أجور النساء مقابل الرجال، وتضعف الحمايات الاجتماعية التي تقدم لهن مقابل الرجال، وتتوسع شروط العمل الطاردة للنساء التي لا تأخذ بالاعتبار خصوصية أدوار المرأة المنزلية أو تلك التي في مكان العمل، وعدم توافر حضانات ودور رعاية لأطفالهن أثناء التحاقهن بأعمالهن، وعدم توافر نظم مواصلات كفؤة، هذا إلى جانب التحرش الجنسي بمختلف أشكاله، اللفظي منها والجسدي، التي تتعرض له العديد من النساء في أماكن العمل.

ولا يقصُر الأمر عند هذا الحد، بل تتسع أشكال العنف إلى حرمان غالبيتهن من مواريثهن بحجج مختلفة، وإجبار بعضهن على الاقتراض من المؤسسات المصرفية المختلفة لأهداف بعيدة عن مصالحهن ومصالح أسرهن، ويصل الأمر إلى الاستيلاء على أجور بعضهن بالقوة، وحرمان بعضهن من حق التصرف الحر بمواردهن.

لقد أدى هذا الواقع إلى أن تنخفض نسبة المشاركة الاقتصادية للنساء في الأردن إلى أدنى المستويات العالمية التي تُراوح حول 14 بالمئة منذ ما يقارب ربع قرن، وهذا ليس شأنا حقوقيا ينطوي على تمييز ضد النساء اللاتي يشكلن نصف المجتمع فحسب، وإنما يتعداه لينعكس خسائر اقتصادية يتكبدها الاقتصاد الوطني.

لا نبالغ إذا قلنا إن إحدى أهم المشكلات الاقتصادية التي يواجهها الاقتصاد الأردني تتمثل في الضعف الشديد للمشاركة الاقتصادية للمرأة، الأمر الذي يشكل ضغوطا إضافية على الاقتصاد الأردني ويحرمه من قدرات وطاقات إنتاجية كامنة وغير مستثمرة، وبخاصة إذا علمنا أن نسبة انتظام الإناث في التعليم في الأردن أعلى من الذكور وفي مختلف المراحل التعليمية، وأن غالبية المتفوقين في مختلف مراحل التعليم في الأردن أيضا من الإناث.

إن وقف أشكال العنف الاقتصادي كافة على مستوى التشريعات والممارسات السائدة، ليس حاجة للنساء فقط، بل هو حاجة للمجتمع ككل، وهو مصلحة وطنية كبرى. وخلاف ذلك، سنبقى نعاني من ضعف اقتصادنا الوطني، وستبقى معدلات الفقر في توسع، وفي أحسن الأحوال ستبقى مرتفعة، وتضيق فرص التوسع في احترام حقوق الإنسان الأساسية.

إن تعزيز مسارات التنمية المستدامة وتحفيز اقتصادنا الوطني، لا يمكن أن يتحقق، طالما أن نصف المجتمع (النساء) غير قادرات على الانخراط في الاقتصاد بشكل واضح وعادل يسهم في تعزيز تمتعهن بحقوقهن الإنسانية الأساسية، وهذا لا يمكن أن يتم بدون إجراء تعديلات جوهرية على مختلف السياسات ذات العلاقة وتنفيذها بشكل حازم.

ضعف شروط العمل وفجوة العمل اللائق التي يعاني منها غالبية العاملين في الأردن، وعلى وجه الخصوص النساء، ليست قدرا، وإنما هي نتاج لسياسات حكومية طبقت وما زالت تطبق في الأردن، لا بل أن هنالك إصرارا حكوميا على إضعاف شروط العمل بحجج عديدة لعل أهمها الذي يأتي في إطار الفرضية الوهمية التي ترى أن إضعاف شروط العمل سيخلق سوق عمل مرن، وبالتالي زيادة في أعداد الوظائف التي ينتجها الاقتصاد.

مراجعة سريعة للسياسات الاقتصادية التي تم إصدارها وتنفيذها خلال السنوات القليلة الماضية إلى جانب خطط الحكومة باتجاه إلغاء وزارة العمل وإجراء تعديلات تراجعية على قانون الضمان الاجتماعي كفيلة بإفشال أية استراتيجيات لتعزيز مشاركة المرأة الاقتصادية، والحد من ممارسة العنف الاقتصادي الذي تعاني منه.

صحيفة الغد الأردنية، 2022/11/28

اشترك في نشرتنا الاخبارية

وكن على اطلاع على آخر المستجدات في الحياة المدنية في الأردن