الفَضَاء الرقمي: مساحة عمل داعمة للحركات الاجتماعية المعاصرة

هديل القضاه 
بدأت ملامح الفضاء الرقمي بالظهور في ظل التطور الالكتروني الكبير الذي شهده العالم على مدى السنوات الماضية، واستطاع ان يخلق هذا الفضاء مساحة عمل داعمة لحرية التعبير، ووجد الأفراد في هذا المنبر فرصة وأداة للمطالبة بحقوقهم، وحشد المناصرة والتأييد لهذه الحقوق.
ويعبر الفضاء الرقمي عن مساحة افتراضية مرتبطة بالإنترنت، توفر أدوات حديثة مثل التطبيقات والمنصات الرقمية التي تمتلك خصائص تتيح للمستخدمين العديد من المميزات التي تساعد على نشر ومناقشة أفكارهم وتوجهاتهم المختلفة.
ومنذ بداية جائحة كورونا، أصبحت الأدوات الرقمية أكثر من مجرد وسيلة أو أداة ثانوية تستخدمها الحركات الاجتماعية لتحقيق أهدافها، اذ تحول الحراك الاجتماعي على أرض الواقع الى الفضاء الرقمي، وأصبحت هذه المساحة، السبيل الوحيد للتعبير عن مطالبات الحركات الاجتماعية وغاياتها.
وتوصف الحركات الاجتماعية من المنظور السيسيولوجي، أنها تمثل مجموعة من الأفراد تعبر عن رفضها للسياسات أو الممارسات التعسفية ضدها، وهي بمثابة فعل جماعي للاحتجاج والتعبير عن حالة عدم الرضى، بهدف المطالبة بتغييرات في البنية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، من خلال تنظيمات مهيكلة ومحددة، لها غاية وهدف علني تصرح به بشكل مباشر.
وقد أصبح العمل الاجتماعي والحقوقي عبر الإنترنت محركًا جديدًا للحركات الاجتماعية المعاصرة، بحيث يستطيع الأفراد في أي مكان حول العالم، دعوة عدد لا محدود من الأفراد على اتخاذ إجراء بشأن قضية معينة في فترة زمنية قصيرة، الى جانب تنظيم الأعمال الجماعية، ومناقشة القضايا الاجتماعية المختلفة.
وقد كانت النساء أكثر المستفيدات من الفضاء الرقمي، كوسيلة للتعبير عن الانتهاكات ضدهن، لم يجدنها في الفضاء العام على أرض الواقع، فظهر ما يسمى بالحراك النسوي الرقمي، وهو تكرار جديد للنشاط النسوي التقليدي، يقدم أدوات مبتكرة للنسويات لاستخدامها لنشر الوعي حول حقوق المرأة وحشد الأفراد للقضايا النسوية المختلفة.
ومع ازدياد العنف الأسري خلال فترة الحظر الشامل في الأردن، تصدر اسم احدى الشابات الأردنيات مواقع التواصل الاجتماعي بعد ظهورها في بث مباشر عبر منصة فيسبوك، تحدثت فيه عن تعرضها للتعنيف والترهيب من قبل عائلتها. ما أعاد الحوار حول قضايا العنف المنزلي. 
على مستوى أخر، أطلقت مجموعة واسعة من منظمات المجتمع المدني " الحملة الوطنية للعودة الى المدارس" من خلال الفضاء الرقمي، لمطالبة الحكومة باستئناف التعليم المباشر بعد تعليقه ضمن إجراءات اتخذت لمواجهة انتشار فيروس كورونا.
من جهة أخرى، أطلق عدد من منظمات المجتمع المدني، حملة الكترونية تطالب الحكومة بسحب قانون العمل، الذي أقرته لجنة العمل النيابية العام الماضي، من خلال منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، بهدف إجراء عملية إصلاح شاملة لأحكام القانون.
كما اتخذت منظمات المجتمع المدني بكافة أشكالها، المنصات الرقمية كوسيلة لمساحة عمل بديلة، للنشاطات التي تم ايقافها على أرض الواقع خلال جائحة كورونا، واتاح ذلك فرصة لأعداد كبيرة لا حدود لها من الأفراد، للمشاركة في أنشطة المجتمع المدني المختلفة، الا أنه بالمقابل كان هناك تحديات أخرى مرتبطة بمساحة العمل الرقمية، ذات علاقة بالقدرة الى الوصول واستخدام الانترنت، خاصة في المناطق النائية.
وبالرغم من تكاتف جهود المجتمع المدني لتوسيع مساحة عمله من خلال الفضاء الرقمي، لا يزال هذا الفضاء مقيد ببيئة قانونية تتمثل في " قانون الجرائم الالكترونية" لعام 2015 الذي يجرم "خطاب الكراهية" و "الأخبار الكاذبة" والذي استخدم كمبرر لاعتقال وسجن المواطنين لنشرهم مقالات أو اراء على وسائل التواصل الاجتماعي قبل وخلال جائحة كورونا.

اشترك في نشرتنا الاخبارية

وكن على اطلاع على آخر المستجدات في الحياة المدنية في الأردن